فصل: ذكر شيء من ثناء الأئمة عليه رضي الله عنه وعنهم ونفعنا به وبهم في الدنيا والآخرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


ذكر شيء من ثناء الأئمة عليه رضي الله عنه وعنهم ونفعنا به وبهم في الدنيا والآخرة

وقليل مما شاهدنا من أحواله الزاهرة وأخلاقه الطاهرة وكراماته الباهرة

قد قدمنا كلام الشيخ الحافظ الذهبي فيه وقال فيه في مكان آخر كتبه في سنة عشرين وسبعمائة انتهى إليه الحفظ ومعرفة الأثر بالديار المصرية وله كلام كثير في تعظيمه وقد قدمنا في ترجمته قوله فيه من أبيات

وكابن معين في حفظ ونقد ** وفي الفتيا كسفيان ومالك

وفخر الدين في جدل وبحث ** وفي النحو المبرد وابن مالك

وصح من طرق شتى عن الشيخ تقي الدين بن تيمية أنه كان لا يعظم أحدا من أهل العصر كتعظيمه له وأنه كان كثير الثناء على تصنيفه في الرد عليه

وفي كتاب ابن تيمية الذي ألفه في الرد على الشيخ الإمام في رده عليه في مسألة الطلاق لقد برز هذا على أقرانه

وهذا الرد الذي لابن تيمية على الوالد لم يقف عليه ولكن سمع به وأنا وقفت منه على مجلد

وأما الحافظ أبو الحجاج المزي فلم يكتب بخطه لفظة شيخ الإسلام إلا له وللشيخ تقي الدين ابن تيمية وللشيخ شمس الدين ابن أبي عمر

وقد قدمنا قول ابن فضل الله إنه مثل التابعين إن لم يكن منهم

وكان الشيخ تقي الدين أبو الفتح السبكي رحمه الله يقول إذا رأيته فكأنما رأيت تابعيا

وصح أن شيخه الإمام علاء الدين الباجي رحمه الله أقبل عليه بعض الأمراء وكان الشيخ الإمام إلى جانبه الأيمن وعن جانبه الأيسر بعض أصحابه فقعد الأمير بين الباجي والشيخ الإمام ثم قال الأمير للباجي عن الذي عن يساره هذا إمام فاضل فقال له الباجي أتدري من هذا هو إمام الأئمة قال من قال الذي جلست فوقه تقي الدين السبكي ولعل هذا كان في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة

وأما شيخه ابن الرفعة فكان يعامله معاملة الأقران ويبالغ في تعظيمه ويعرض عليه ما يصنفه في المطلب

وكذلك شيخه الحافظ أبو محمد الدمياطي لم يكن عنده أحد في منزلته

ولو أخذت أعد مقالة أشياخه فيه لطال الفصل

وبلغني أن ابن الرفعة حضر مرة إلى مجلس الحافظ أبي محمد الدمياطي فوجد الشيخ الإمام

الوالد بين يديه فقال محدث أيضا وكان ابن الرفعة لعظمة الوالد في الفقه عنده يظن أنه لا يعرف سواه فقال الدمياطي لابن الرفعة كيف تقول قال قلت للسبكي محدث أيضا فقال إمام المحدثين فقال ابن الرفعة وإمام الفقهاء أيضا فبلغت شيخه الباجي فقال وإمام الأصوليين

وبالجملة أجمع من يعرفه على أن كل ذي فن إذا حضره يتصور فيه شيئين أحدهما أنه لم ير مثله في فنه والثاني أنه لا فن له إلا ذلك الفن

وسمعت صاحبنا شمس الدين محمد بن عبد الخالق المقدسي المقرئ يقول كنت أقرأ عليه القراءات وكنت لكثرة استحضاره فيها أتوهم أنه لا يدري سواها وأقول كيف يسع عمر الإنسان أكثر من هذا الاستحضار

وسمعت الشيخ سيف الدين أبا بكر الحريري مدرس المدرسة الظاهرية البرانية يقول لم أر في النحو مثله وهو عندي أنحى من أبي حيان

وسمعت عن سيف الدين البغدادي شيخه في المنطق أنه قال لم أر في العجم ولا في العرب من يعرف المعقولات مثله

وسمعت جماعة من أرباب علم الهيئة يقولون لم نر مثله فيها وكذلك سمعت جماعة من أرباب علم الحساب

وعلى الجملة لا يماري في أنه كان إمام الدنيا في كل علم على الإطلاق إلا جاهل به أو معاند

ولقد سمعت الحافظ العلامة صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي يقول الناس يقولون ما جاء بعد الغزالي مثله وعندي أنهم يظلمونه بهذا وما هو عندي إلا مثل سفيان الثوري

قلت أما أنا فأقول والله على لسان كل قائل كان ذهنه أصح الأذهان وأسرعها نفاذا وأوثقها فهما وكان آية في استحضار التفسير ومتون الأحاديث وعزوها ومعرفة العلل وأسماء الرجال وتراجمهم ووفياتهم ومعرفة العالي والنازل والصحيح والسقيم عجيب الاستحضار للمغازي والسير والأنساب والجرح والتعديل آية في استحضار مذاهب الصحابة والتابعين وفرق العلماء بحيث كان تبهت الحنفية والمالكية والحنابلة إذا حضروه لكثرة ما ينقله عن كتبهم التي بين أيديهم آية في استحضار مذهب الشافعي وشوارد فروعه بحيث يظن سامعه أنه البحر الذي لا تغيب عنه شاردة إذا ذكر فرع وقال لا يحضرني النقل فيه فيعز على أبناء الزمان وجدانه بعد الفحص والتنقيب وإذا سئل عن حديث فشذ عنه عسر على الحفاظ معرفته

وكان يقال إنه يستحضر الكتب الستة غير ما يستحضره من غيرها من المسانيد والمعاجم والأجزاء

وأنا أقول يبعد كل البعد أن يقول في حديث لا أعرف من رواه ثم يوجد في شيء من الكتب الستة أو المسانيد المشهورة

وأما استحضار نصوص الشافعي وأقواله فكان يكاد يحفظ الأم ومختصر المزني وأمثالهما

وأما استحضاره في علم الكلام والملل والنحل وعقائد الفرق من بني آدم فكان عجبا عجابا

وأما استحضاره لأبيات العرب وأمثالها ولغتها فأمر غريب لقد كانوا يقرؤون عليه الكشاف فإذا مر بهم بيت من الشعر سرد القصيدة غالبها أو عامتها من حفظه وعزاها إلى قائلها وربما أخذ في ذكر نظائرها بحيث يتعجب من يحضر

وأما استحضاره لكتاب سيبويه وكتاب المقرب لابن عصفور فكان عجيبا ولعله درس عليهما

وأما حفظه لشوارد اللغة فأمر مشهور وكنت أنا أقرأ عليه في كتاب التلخيص للقاضي جلال الدين في المعاني والبيان أنا وآخر معي ولم يكن فيما أظن وقف على التلخيص قبل ذلك وإنما أقرأه لأجلي وكنا نحكم المطالعة قبل القراءة عليه فيجيء فيستحضر من مفتاح السكاكي وغيره من كلام أهل المعاني والبيان ما لم نطلع عليه نحن مع مبالغتنا في النظر قبل المجيء ثم يوشح ذلك بتحقيقاته التي تطرب العقول

وكنت أقرأ عليه المحصول للإمام فخر الدين والأربعين في الكلام له والمحصل فكنت أرى أنه يحفظ الثلاث عن ظهر قلب

وأما المهذب والوسيط فكان في الغالب ينقل عبارتهما بالفاء والواو كأنه درس عليهما

وأما شرح الرافعي الذي هو كتابنا ونحن ندأب فيه ليلا ونهارا فلو قلت كيف كان يستحضره لاتهمني من يسمعني

هذا وكأنه ينظر تعليقة الشيخ أبي حامد والقاضي الحسين والقاضي أبي الطيب والشامل والتتمة والنهاية وكتب المحاملي وغيرهم من قدماء الأصحاب ويتكلم لكثرة ما يستحضره منها بالعبارة

حكى لي الحافظ تقي الدين ابن رافع قال سبقنا مرة إلى البستان فجئنا بعده ووجدناه نائما فما أردنا التشويش عليه فقام من نومه ودخل الخلاء على عادته وكان يريد أن يكون دائما على وضوء فلما دخل ظهر لنا كراس تحت رأسه فأخذناه فإذا هو من شرح المنهاج وقد كتب عن ظهر قلب نحو عشرة أوراق قال فنظرها رفيق كان معي وقال ما أعجب لكتابته لها من حفظه ولا مما نقله من كلام الرافعي والروضة وإنما أعجب من نقله عن سليم في المجرد وابن الصباغ في الشامل ما نقل ولم يكن عنده غير المنهاج ودواة وورق أبيض وكنا قد وجدنا فيها نقولا عنهما

قلت أنا من نظر شرح المنهاج بخطه عرف أنه كان يكتب من حفظه ألا تراه يعمل المسطرة والورق على قطع الكبير أحد عشر سطرا وما ذلك إلا لأنه يكتب من رأس القلم ويريد أن ينظر ما يلحقه فلذلك يعمل المسطرة متسعة ويترك بياضا كثيرا

قلت وكنت أراه يكتب متن المنهاج ثم يفكر ثم يكتب وربما كتب المتن ثم نظر الكتب ثم وضعها من يده وانصرف إلى مكان آخر وجلس ففكر ساعة ثم كتب

وكثير من مصنفاته اللطاف كتبها في دروج ورق المراسلات يأخذ الأوصال ويثنيها طولا ويجعل منها كراسا ويكتب فيه لأنه ربما لم يكن عنده ورق كراريس فيكتب فيها من رأس القلم وما ذلك إلا في مكان ليس عنده فيه لا كتب ولا ورق النسخ

وأما البحث والتحقيق وحسن المناظرة فقد كان أستاذ زمانه وفارس ميدانه ولا يختلف اثنان في أنه البحر الذي لا يساجل في ذلك كل ذلك وهو في عشر الثمانين وذهنه في غاية الاتقاد واستحضاره في غاية الازدياد

ولما شغرت مشيخة دار الحديث الأشرفية بوفاة الحافظ المزي عين هو الذهبي لها فوقع السعي فيها للشيخ شمس الدين ابن النقيب وتكلم في حق الذهبي بأنه ليس بأشعري وأن المزي ما وليها إذ وليها إلا بعد أن كتب خطه وأشهد على نفسه بأنه أشعري العقيدة واتسع الخرق في هذا فجمع ملك الأمراء الأمير علاء الدين ألطنبغا نائب الشام إذ ذاك العلماء فلما استشار الشيخ الإمام أشار بالذهبي فقام الصائح بين الشافعية والحنفية والمالكية وتقفوا فيه أجمعون وكان من الحاضرين الشيخ نجم الدين القحفازي شيخ الحنفية فقال له الشيخ الإمام أيش تقول فقال

وإليكم دار الحديث تساق **

أبدل هذا بدار

فاستحسن الجماعة هذا منه ودار إلى ملك الأمراء وقال أعلم الناس اليوم بهذا العلم قاضي القضاة والذهبي وقاضي القضاة أشعري قطعا وقطع الشك باليقين أولى

فوليها الشيخ الإمام ولم يكن مختارا ذلك بل كان يكرهه وقام من وقته إلى دار الحديث وبين يديه الذهبي وخلق فروى بسنده من طرق شتى منه إلى أبي مسهر حديث يا عبادي وتكلم على رجاله ومخرجه بحيث لم يسع المجلس الكلام على أكثر من رجال الحديث ومخرجه إلى أن بهت الحاضرون لعلمهم أن الشيخ الإمام من سنين كثيرة لا ينظر الأجزاء ولا أسماء الرجال ولقد قال الذهبي

وما علمتني غير ما القلب عالمه **

والله كنت أعلم أنه فوق ذلك ولكن ما خطر لي أنه مع الترك والاشتغال بالقضاء يحضر من غير تهيئة ويسند هذا الإسناد

انتهى

وبالجملة كان مع صحة الذهن واتقاده عظيم الحافظة لا يكاد يسمع شيئا إلا حفظه ولا يحفظ شيئا فينساه وإن طال بعده عن تذكره جمعت له الحافظة البالغة والفهم الغريب فما كان إلا ندرة في الناس ووحق الحق لو لم أشاهد وحكي لي أن واحدا من العلماء احتوى على مثل هذه العلوم وبلغ أقصى غاياتها نقلا وتحقيقا مع صحة الذهن وجودة المناظرة وقوة المغالبة وحسن التصنيف وطول الباع في الاستحضار واستواء العلوم بأسرها في نظهر أحسبه وهما

وأقول كيف تفي القوى البشرية بذلك ولكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء

وليس لله بمستنكر ** أن يجمع العالم في واحد

كان بالآخرة قد أعرض عن كثرة البحث والمناظرة وأقبل على التلاوة والتأله والمراقبة

وكان ينهانا عن نوم النصف الثاني من الليل ويقول لي يا بني تعود السهر ولو أنك تلعب والويل كل الويل لمن يراه نائما وقد انتصف الليل

واجتمعنا ليلة أنا والحافظ تقي الدين أبو الفتح والأخ المرحوم جمال الدين الحسين والشيخ فخر الدين الأقفهسي وغيرهم فقال لي بعض الحاضرين نشتهي أن نسمع مناظرته وليس فينا من يدل عليه غيرك فقلت له الجماعة يريدون سماع مناظرتك على طريق الجدل فقال بسم الله وفهمت أنه إنما وافق على ذلك لمحبته في وفي تعليمي

فقال أبصروا مسألة فيها أقوال بقدر عددكم وينصر كل منكم مقالة يختارها من تلك الأقوال ويجلس يبحث معي

فقلت أنا مسألة الحرام

فقال بسم الله انصرفوا فليطالع كل منكم ويحرر ما ينصره

فقمنا وأعمل كل واحد جهده ثم عدنا وقد كاد الليل ينتصف وهو جالس يتلو هو وشيخنا المسند أحمد بن علي الجزري الحنبلي رحمه الله فقال عبد الوهاب هات حسين هات هكذا يخصني أنا وأخي بالنداء

فابتدأ واحد من الجماعة فقال له إن شئت كن مستدلا وأنا مانع وإن شئت بالعكس

فحاصل القضية أن كلا منا صار يستدل على مقالته وهو يمنعه ويبين فساد كلامه إلى أن ينقطع ويأخذ في الكلام مع الآخر حتى انقطع الجميع

فقال له بعضنا فأين الحق

فقال أنا أختار المذهب الفلاني الذي كنت يا فلان تنصره ونصره إلى أن قلنا هو الحق ثم قال بل أختار المذهب الذي كنت يا فلان تنصره

وهكذا أخذ ينصر الجميع إلى أن قال له بعضنا فأين الباطل

فقال الآن حصحص الحق المختار مذهب الشافعي وطريق الرد على المذهب الفلاني كذا والمذهب الفلاني كذا والمذهب الفلاني كذا وقرر ذلك كله إلى أن قضينا العجب وكل منا يعرف أن أقل ما يكون للشيخ الإمام عن النظر في مسألة الحرام سنين كثيرة

وحضر عندنا مرة الشيخ جمال الدين المزي الحافظ رحمه الله إلى البستان وكان هناك جماعة من المشايخ ي جزء الأنصاري أحضرهم الوالد لإسماع الأطفال فقال لي الشيخ شرف الدين عبد الله بن الواني المحدث رحمه الله كنا نود لو سمعنا بقراءة الشيخ الإمام فقلت له فأخذ الجزء وقرأه على الجماعة قراءة قضى كل منا العجب من حسنها وسرعتها وبيانها

وأما باب العبادة والمراقبة فوالله ما رأت عيناي مثله كان دائم التلاوة والذكر وقيام الليل جميع نومه بالنهار وأكثر ليله التلاوة وكانت تلاوته أكثر من صلاته ويتهجد بالليل ويقرأ جهرا في النوافل ولا تراه في النهار جالسا إلا وهو يتلو ولو كان راكبا ولا يتلو إلا جهرا وكان يتلو في الحمام وفي المسلخ

وأما باب الغيبة فوالله لم أسمع اغتاب أحدا قط لا من الأعداء ولا من غيرهم ومن عجيب أمره أنه كان إذا مات شخص من أعدائه يظهر عليه من التألم والتأسف شيء كثير ولما مات الشيخ فخر الدين المصري رثاه بأبيات شعر وتأسف عليه وكذلك لما مات القاضي شهاب الدين ابن فضل الله الذي سقنا كلامه فيه فيما مضى ولا يخفى ما كان بينهما ومن الغريب أنه قرأ طائفة من القرآن ثم أهداها له فقلت له لم هذا أنت لم تظلمه قط وهو كان يظلمك فما هذا فقال لعلي كرهته بقلبي في وقت لحظ دنيوي فانظر إلى هذه المراقبة

ومما يدلك على مراقبته قوله في كتاب الحلبيات وقد ذكر أن القاضي لا تسمع عليه البينة فإن قوله أصدق منها وأن في كلام الرافعي ما يقتضي سماعها وتابعه ابن الرفعة وأنه ليس بصحيح ما صورته وتوقفت في كتابة هذا وخشيت أن يداخلني شيء لكوني قاضيا حتى رأيت في ورقة بخطي من نحور أربعين سنة كلاما في هذه المسألة وفي آخرها وما ينبغي أن تسمع على القاضي بينة ولا أن يطلب بيمين

انتهى

فانظر خوفه مداخلات الأنفس بحيث لو لم يجد هذه الورقة السابقة على توليته القضاء بسنين عديدة لتوقف في كتابة ما اختاره خشية وفرقا على دينه جزاه الله عن دينه خيرا وأما الدنيا فلم تكن عنده بشيء ولا يستكثرها في أحد يهب الجزيل ولا يرى أنه فعل شيئا ويعجبني قول الشيخ جمال الدين ابن نباتة شاعر العصر فيه من قصيدة امتدحه بها

مغني الأنام فما تعطل عنده ** في الحكم غير محاضر الإفلاس

ومعجل الجدوى جزافا لا كمن ** هو ضارب الأخماس في الأسداس

وأما الصوم فكان يعسر عليه ولم أره يصوم غير رمضان وست من شوال قلت له لم تواظب على صوم ست من شوال فقال لأنها تأتي وقد أدمنت على الصوم

وما كان ذلك إلا لحدة ذهنه واتقاد قريحته فكان لا يطيق الصوم وقد مات في عشر الثمانين بالحدة وربما كان يقعد والثلج ساقط من السماء وهو على رأسه طاقية

وكان يقول الشام توافقني أكثر من مصر لبردها ويسكن ظاهر البلد شتاء وصيفا

وكان لا يصبر إذا طلعت الشمس إلى أن يستوي طعام البيت بل يأكل من السوق وما ذلك إلا لسهره بالليل مع حدة ذهنه فيجوع من طلوع الشمس ولا يطيق الصبر ثم إذا أكل اجتزأ بالعلقة من الطعام واليسير من الغذاء

وأما مأكله وملبسه وملاذه الدنيوية فأمر يسير جدا لا ينظر إلى شيء من ذلك بل يجتزئ بيسير المأكل ونزر الملبس

وأما عدم مبالاته بالناس فأمر غريب ولقد شاهدته غير مرة يخرج بملوطته وعمامته التي ينام فيها إلى الطريق ورأيته مرة خرج كذلك وكانت الملوطة التي عليه وسخة مقطعة

راح إلى الجامع يوم ختم البخاري وجلس في أخريات الناس بحيث لم يشعر به أحد ثم كأنه عرضت له حالة فرفع يديه وتوجه ساكتا على عادته وصار رافع يديه قبل أن يشرعوا في الدعاء بنحو ساعة زمانية أو أزيد ثم استمر كذلك إلى أن فرغ وصارت العوام يرونه ويتعجبون من لبسه وحاله ومجيئه على تلك الصورة وما تم المجلس إلا وقد حضر النقيب والغلمان فقام وحضر إلى البيت وهم بين يديه كأنه بينهم غلام واحد منهم وعليه من المهابة ما لا يعبر عنه

وكنت مع ذلك أراه أيام المواكب السلطانية يلبس الطيلسان مواظبا عليه وكنت أعجب لأن طبعه لا يقتضي الاكتراث بهذه الأمور فتجاسرت عليه وسألته فقلت له أنت تقعد وتحكم وعليك ثياب ما تساوي عشرين درهما وأراك تحرص على لبس الطيلسان يوم الموكب

فقال يا بني هذا صار شعار الشافعية ولا نريد أن ينسى وأنا ما أنا مخلد سيجيء غيري ويلبسه فما أحدث عليه عادة في تبطيله

ورأيته غير مرة يكون راكبا البغلة فيجد ماشيا فيردفه خلفه ويعبر المدينة وهما كذلك والنقيب والغلمان بين يديه لا يقدر أحد أن يعترضه

وحضر مرة ختمة بالجامع الأموي وحضرت القضاة وأعيان البلد بين يديه وهو جالس في محراب الصحابة فأنشد المنشد قصيدة الصرصري التي أولها

قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب **

فلما قال

وأن ينهض الأشراف عند سماعه **

البيت

حصلت للشيخ الإمام حالة وقام واقفا للحال فاحتاج الناس كلهم أن يقوموا فقاموا أجمعون وحصلت ساعة طيبة

وكان لا يحابي في الحق أحدا وأخباره في هذا الباب عجيبة حكم مرة في واقعة حريثا وصمم فيها وعانده أرغون الكاملي نائب الشام وكاد الأمر يطلخم شاما ومصرا فذكر القاضي صلاح الدين الصفدي أنه عبر إليه وقال يا مولانا قد أعذرت ووفيت ما عليك وهؤلاء ما يطيعون الحق فلم تلقي بنفسك إلى التهلكة وتعاديهم قال فتأمل في مليا ثم قال

وليت الذي بيني وبينك عامر ** وبيني وبين العالمين خراب

والله لا أرضي غير الله

قال فخرجت من عنده وعرفت أنه لا يرجع عن الحق بزخارف من القول

قلت ولقد نزل لي شيخنا شمس الدين الذهبي في حياته عن مشيخة دار الحديث الظاهرية فلم يمض النزول وقال لي والله يا بني أعرف أنك مستحقها ولكن ثم مشايخ هم أولى منك لطعنهم في السن

ثم لما حضرت الذهبي الوفاة أشهد على نفسه بأنه نزل لي عنها فوالله لم يمضها لي وها خطه عندي يقول فيه بعد أن ذكر وفاة الذهبي وقد نزل لولدي عبد الوهاب عن مشيخة الظاهرية وأنا أعرف استحقاقه ولكن سن الشباب منعني أن أمضي النزول له

ولما نزل عن مشيخة دار الحديث الأشرفية واتفق أنه بعد أشهر حضر درسا عمله الولد تقي الدين أبو حاتم محمد ابن الأخ شيخنا شيخ الإسلام بهاء الدين أبي حامد سلمهما الله وكان أشار هو بذلك ليفرح بتدريس ولد ولده بحضوره قبل وفاته قال للجماعة الحاضرين ما أعلم أحدا يصلح لمشيخة دار الحديث غير ولدي عبد الوهاب وشخص آخر غائب عن دمشق

وأكثر الناس لم يفهم الغائب وأنا أعرف أنه الشيخ صلاح الدين العلائي شيخ بيت المقدس وحافظه

وكان يقول لي في أيام مرضه قبل أن يحصل لي القضاء إياك ثم إياك أن تطلب القضاء بقلبك فضلا عن قالبك فأنا أطلبه لك لعلمي بالمصلحة في ولايتك لك ولقومك وللناس وأما أنت فاحذر لئلا يكلك الله إليه على ما قال ‏(‏ يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة ‏)‏ الحديث

وحضرته وقد جاء إليه بعض الفقراء فقال أريد ثلاثا ولاية ابني هذا موضعي ورؤية ولدي أحمد وموتي بمصر أشهد بالله لسمعت ذلك منه

فقال له الفقير سل الله في ذلك إن كان مصلحة

فقال قد تحققت أن كل واحد من الثلاثة مصلحة

فقال له القضاء مصلحة لهذا

فقال نعم تحققت أنه مصلحة له في الدنيا والدين جميعا

وقال في ذلك المجلس أنا في بر ولدي أحمد يعني الأخ أبا حامد ووصفه بالعلم الكثير

وأما أحواله فكانت عجيبة جدا ما عانده أحد إلا وأخذ سريعا وكان لا يحب أن يظهر عليه شيء من الكرامات ويتأذى كل الأذى من ظهورها وممن يظهرها وقد اتفقت له في القاهرة ودمشق عجائب منها واقعته في مشيخة جامع طولون التي ذكرتها عند ذكر قصيدته التي أولها

كمال الفتى بالعلم لا بالمناصب **

ومنها أنه كان بيده تدريس المنصورية أخذها عن قاضي القضاة جمال الدين الزرعي عند ولايته قضاء الشام ثم عزل الزرعي وأرغون النائب في الحجاز وكان كثير الصداقة له فلما بلغ ذلك أرغون شق عليه وعزم على أنه إذا وصل إلى مصر ينزع المنصورية من الوالد ويعديها للزرعي فلما قيل إن أرغون وصل ويطلع غدا بات الوالد في قلق لأنه لم يكن له رزق غيرهما إلا اليسير فأخبرني أخي الشيخ بهاء الدين أنه أخبره أنه صلى في الليل ركعتين فسمع قائلا يقول له أرغون مات فلما أصبح وحضر الدرس قيل له إن أرغون طلع القلعة فتوجه إلى جهة القلعة للسلام عليه فبلغه في الطريق أن أرغون أمسك

ومنها واقعته مع إيتمش نائب الشام فإنه عانده وضاجره فحكى لي أخي الشيخ بهاء الدين أنه لما اشتد به ذلك عزم على عزل نفسه من القضاء فحضر درس الأتابيكة بالصالحية ثم دخل إلى مسجد في دهليزها وأغلق عليه الباب وصلى ركعتي الاستخارة في ذلك فلما كانت السجدة الثانية من الركعة الثانية سمع قائلا يقول ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ‏}‏ فأحجم عن ذلك إلى آخر حياته

وآخر أمره مع إيتمش أنه أمر شاد الأوقاف بجمع الفقهاء للفتوى عليه فبينا شاد الأوقاف بعد صلاة الجمعة يجمعهم وإذا بالبريدي قدم من مصر يطلبه إلى باب السلطان معززا مكرما

وكان الإمام تاج الدين المراكشي الذي ذكرت ترجمته يحكى أنه رأى في منامه قائلا يقول سيأتي شخص من مماليك ألجاي الدويدار يقتل هؤلاء كلهم فعن قريب حضر البريدي المذكور وهو قيصر مملوك ألجاي أحد مقدمي الحلقة وتوفي سنة ستين وسبعمائة فانطوى ذلك البساط وعاد الذين كانوا من قبل بلحظة يجمعون الغض منه واقفين على بابه يستغفرون ويعتذرون

وأعجب من ذلك أن البريدي ذكر أنه أراد أن يتخلف في الطريق لشغل عرض له فصادف أن غلامه سبقه وما أمكنه التخلف فصار غلامه وهو أمامه يسوق كل السوق ظنا منه أن البريدي سبقه والبريدي يلحقه إلى أن وصل في ذلك الوقت ولو تأخر بعده ساعة واحدة لحصل التعب لنا

ثم سافر إلى مصر وما اتفقت إقامته بها وصار يصعب عليه العود إلى دمشق وأيدغمش بها والإقامة مصر لا تمكنه فبلغني أن الأمير الكبير بدر الدين جنكلي ابن البابا وهو أكبر أمراء الدولة قال نحن مع هذا السبكي في صداع لا يمكن إقامته بمصر ولا يهون عليه عوده إلى دمشق وإيتمش بها ولا يمكننا عزل إيتمش بسبب قاض إن كانت له كرامة عند الله فالله يريحه من إيتمش فجاءهم الخبر ثاني يوم بوفاة إيتمش فجأة فلما أن بلغه الخبر لم يزد على أن ذرفت عيناه بالدموع ثم نهض إلى الصلاة

وكان ممن يحط عليه عنده القاضي شهاب الدين ابن فضل الله فعزل وصودر واتفق له ما اتفق

وكان القاضي شهاب الدين أرسل إليه من قبل بشهر يقول له مع مملوكه عرفتني فقال قل له نعم عرفتك ولكن أنت ما عرفتني فبعد شهر صودر واتفق له ما اتفق

ومنها أمره مع طقزتمر نائب الشام وكان من أصحب الناس له في مصر فلما جاء إلى الشام غيره الشاميون عليه وأعانهم امتناعه من امتثال أوامره فطلب إلى مصر واستوحشنا من رواحه فما وصلها إلا وهو في النزع ومات

ومنها أمره مع أرغون شاه نائب الشام أيضا وقد جرت له معه فصول وأنا رأيته مرة يمسك بطرزه ويقول له أنا أموت وأنت تموت

وقال له مرة يا قاضي كم نائبا رأيت في هذه المدينة

قال كذا كذا نائبا

فقال ما يروحك إلا أنا

فقال الشيخ الإمام سوف تبصر

فبعد أيام يسيرة ذبح أرغون شاه صبرا

وله فيه أعجوبة حكى لي القاضي شرف الدين خالد بن القيسراني موقع الدست قال أنا كنت السبب في موت أرغون شاه

قلت كيف

قال لأني غيرت خاطر أبيك عليه فقلت له يوم الاثنين يوم قال له ما قال قبل أن يجلس أرغون شاه يا مولانا قاضي القضاة نحن نعرف أن لك مددا من سيدنا رسول الله وهذا قد زادت إساءته عليك

فقال لي ما نبالي اسكت إذا تعرض للشرع عملنا شغلنا

قال فوالله لما قعدنا بدرت من أرغون شاه تلك الكلمات في حق والدك وكلمات أخر قبيحة في الشرع فاتفق ما اتفق

قلت أما الذي اتفق لأرغون شاه فإنه ذبح صبرا ليلة الجمعة

وأما الذي اتفق من الشيخ الإمام فإنا صلينا المغرب واجتمعنا على العشاء ثم صلى الشيخ الإمام عشاء الآخرة وأوتر وصعد السطح فحكى أهل البيت أنه استمر واقفا في السطح مكشوف الرأس مطرقا ساكتا لا يتكلم قائما على رجليه إلى أن طلع الفجر ثم نزل فصلى الصبح بوضوء العشاء وأنه قال للنساء وهو نازل انقضى شغل أرغون شاه لا يتكلم أحد فحسبنا

ففي يوم الثلاثاء خرج الجيبغا من طرابلس ووصل إلى دمشق ليلة الخميس وأمسكه تلك الليلة ثم ذبحه ثاني ليلة

وهذه كانت حالة الشيخ في توجهه يكشف رأسه ويجعل المنديل في رقبته ويقوم على رجله مطرقا ساكتا ويصير عليه من المهابة ما يعجز الواصف عن وصفه ويكاد نم يراه في تلك الحالة يوقن أنه لو لسعه زنبور في تلك الحالة لما أحس به

وكانت أيضا عوائده إذا كانت له حاجة أن يكتب قصة بخطه إلى الله تعالى ويعلقها على خشبة في السطح وربما أنزلها بعد أيام وكأن ذلك علامة قضاء الشغل ما أدري

وهذه الحكاية التي لأرغون شاه أنا سمعت النساء الثقات في البيت يحكينها

وأما أنا ففي ليلة الخميس بلغني الخبر عقيب مسك أرغون شاه فعبرت إليه وطرقت الباب فسمعت صوته في قراءة التهجد فأمسكت فقضى الركعتين وخرج وهو يتلو فلما أخذ في فتح الباب ترك التلاوة وقال لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك

فلما فتح قلت له أمسك أرغون شاه

قال من قال اسكت أيش هذا الفشار

فما أدري لما قال لي لا تظهر الشماتة بأخيك هل كان ذهنه حاضرا أو أجراها الله على لسانه من غير قصد الله يعلم

ومنها ما حكاه الأخ الشيخ الإمام العلامة بهاء الدين أبو حامد سلمه الله ونقلته من خطه قال لما عدت من الحجاز في المحرم سنة ست وخمسين وسبعمائة وجدته ضعيفا فاستشارني في نزوله لولده سيدنا قاضي القضاة تاج الدين عن قضاء الشام ووجدته كالجازم بأن ذلك سيقع وقال لي سبب هذا أني قبل أن أمرض بأيام أغلب ظني أنه قال خمسة أيام رحت إلى قبر الشيخ حماد خارج باب الصغير وجلست عند قبره منفردا ليس عندي أحد وقلت له يا سيدي الشيخ لي ثلاثة أولاد أحدهم قد راح إلى الله والآخر في الحجاز ولا أدري حاله والثالث هنا وأشتهي أن موضعي يكون له

قال فلما كان بعد أيام أغلب ظني أنه قال يومين أو ثلاثة جاءني الخالدي يشير إلى شخص كان فقيرا صالحا يصحب الفقراء فقال لي فلان يسلم عليك ويقول لك تقاطع عليه الدورة تروح للشيخ حماد تطلب حاجتك منه ولا تقول له

قال فقلت له على سبيل البسط سلم عليه وقل له ألست تعلم أنه فقير بائس وأنا كل أحد رآني ذاهبا إلى قبر الشيخ حماد ولكن الشطارة أن تقول له أيش هي حاجته

قال فتوجه الخالدي إليه ثم عاد وقال يقول لك لا تكن تعترض على الفقراء الشيخ حماد يقول لك انقضت حاجتك التي هي كيت وكيت

قال فقلت له أما الآن فنعم فإن هذا لم يشعر به أحد

قال فقلت له سله هل ذلك كشف أو منام

قال فعاد وقال ليس ذلك إليك

انتهى المنقول من خط الأخ

ومنها حاله مع إيتمش نائب الشام أيضا كرهه في الآخرة وكلمه كلاما وحشا فراح الشيخ ذلك اليوم إلى قبر الشيخ حماد وعاد فما مضت عشرة أيام إلا وجاء الخبر بعزله من نيابة الشام

فأشهد على الشيخ أنه قال من ساعة زرت قبر الشيخ حماد عرفت هذا

وقال لي دعوت عليه وندمت وقال لي لم أدع قبلها على غيره

ومنها حكايته مع أرغون الكاملي نائب الشام أيضا وآخرها أنه قال كم ينغص حالنا الله يقابله

فوالله لقد عزل بعد شهر أو أقل من نيابة الشام ونقل إلى حلب ولم يهنأ عيشه بها بل عزل قريبا ونقل إلى مصر ولم يهنأ بها بل قعد يويمات ثم أمسك وأودع سجن الإسكندرية ثم أخرج وأقر ببيت المقدس إلى أن مات بطالا حزينا كئيبا

قال أخي الشيخ أبو حامد ولقد حضر عنده دار العدل في يوم خميس ثم حضر فأخبرني أنه قدم إليه الوالي شخصا لم يستحق القتل فأمره بقتله فالتفت الوالد إلى الوالي وقال هذا لا يحل قتله فتوقف الوالي فقال له أرغون اقتله فقال له الوالد هذا لا يحل فاغتاظ أرغون من الوالي فأخذه وذهب به ليقتله

فلما عاد من دار العدل حكى لي الحكاية وقال لي لقد عزمت على أن لا أحضر دار عدل عنده أبدا بعدها فلم يتكمل النهار حتى ورد الخبر بأن يلبغا نائب حلب خرج قادما لدمشق فسافر أرغون إلى جهة مصر ثم لحلب ثم لم يحضر دار عدل بدمشق بعد ذلك إلى أن مات

وأغرب من ذلك ما حكاه القاضي صلاح الدين الصفدي في كتاب أعيان العصر أنه قال عنه ما يفلح ويموت

وأنا أعرف وقت هذا القول وسببه كان سببه أنه لما مرض الشيخ وصار يقول في خاطري ثلاث عود ولدي أحمد من الحجاز قبل موتي وولاية عبد الوهاب القضاء ووفاتي بمصر بعد ذلك وأخذ يتكلم لي في القضاء قيل له إن أرغون الكاملي قد استقر بمصر أميرا كبيرا ولا بد أن يشاور على قضاء الشام وإن استشير فهو لا يشير بابنك لبغضه فيك

فقال أو لا يصل الخبر إلا وأرغون ليس في مصر ولا يفلح ويموت

فكان كذلك

وكانت أموره في حال مرضه في غاية العجب وقاسى الشدائد ولم يسمعه أحد يقول آه ولا يطلب العافية بل غاية ما يطلب ولايتي ورؤية الأخ والوصول إلى مصر قبل الوفاة وقضيت له الحاجات الثلاث

ولم أره قط برح بألم يعترضه ولا بأذى يحصل له بل يصبر عند الحادثات ويحتسب رضي الله عنه

وكان كثير التعظيم للصوفية والمحبة لهم ويقول طريق الصوفي إذا صحت هي طريقة الرشاد التي كان السلف عليها ويقول مع ذلك هو مسلك وعر جدا وينشد

تنازع الناس في الصوفي واختلفوا ** قدما وظنوه مشتقا من الصوف

ولست أنحل هذا الاسم غير فتى ** صافى فصوفي حتى لقب الصوفي

وكانت تعجبه الفائدة ممن كان ولا يستنكف أن يسمعها من صغير بل يستحسنها منه

وكان كثير الحياء جدا لا يحب أن يخجل أحدا

وإذا ذكر الطالب بين يديه اليسير من الفائدة استعظمها وأوهمه أنه لم يكن يعرفها لقد قال له مرة بعض الطلبة بحضوري حكى ابن الرفعة عن مجلي وجهين في الطلاق في قول القائل بعد يمينه إن شاء الله تعالى هل هو رافع لليمين فكأنها لم توجد أو نقول إنها انعقدت على شرط

فقلت أنا هذا في الرافعي أي حاجة إلى نقله عن ابن الرفعة عن مجلي

فقال لي الشيخ الإمام اسكت من أين لك هات النقل وانزعج

فقمت وأحضرت الجزء من الرافعي وكان ذلك الطالب قد قام فوالله حين أقبلت به قبل أن أتكلم قال الذي ذكرته في أوائل كتاب الأيمان من الرافعي وأنا أعرف هذا ولكن فقيه مسكين طالب علم يريد أن يظهر لي أنه استحضر مسألة غريبة تريد أنت أن تخجله هذا ما هو مليح

وكان يتفق له مثل هذا كثيرا ينقل عنده طالب شيئا على سبيل الاستغراب فلا يبكته بل يستحسنه وهو يستحضره من أماكن كثيرة بحيث يخرج الطالب وهو يتعجب منه لأنه يظنه أنه لم يكن مستحضرا له وما يدري المسكين أنه كان أعرف الناس به ولكنه أراد جبره

وكان كثير الأدب مع العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين

وأما محبته للنبي وتعظيمه له وكونه أبدا بين عينيه فأمر عجاب

فهذه نبذة مما شاهدته من حاله وعرفته من مكارم أخلاقه وأنا أعرف أن الناظرين في هذه الترجمة على قسمين قسم عرف الشيخ كمعرفتي وخالطه كمخالطتي فهو يحسبني قصرت في حقه وقسم مقابله فهو يحسبني بالغت فيه والله المستعان

ذكر سلسلة الحفاظ

وقد كان شيخنا الذهبي يوردها وكتبها بخطه وقرأتها عليه وأنا أرى إيرادها هنا من قبلي

فأقول لم تر عيناي احفظ من أبي الحجاج المزي وأبي عبد الله الذهبي والوالد رحمهم الله وغالب ظني أن المزي يفوقهما في أسماء رجال الكتب الستة والذهبي يفوقهما في أسماء رجال من بعد الستة والتواريخ والوفيات والوالد يفوقهما في العلل والمتون والجرح والتعديل مع مشاركة كل منهم لصاحبيه فيما يتميز به عليه المشاركة البالغة

وسمعت شيخنا الذهبي يقول ما رأيت أحدا في هذا الشأن أحفظ من الإمام أبي الحجاج المزي وبلغني عنه أنه قال ما رأيت أحفظ من أربعة ابن دقيق العيد والدمياطي وابن تيمية والمزي فالأول أعرفهم بالعلل وفقه الحديث والثاني بالأنساب والثالث بالمتون والرابع بأسماء الرجال

قال وسمعته يقول في شيخنا أبي محمد الدمياطي إنه ما رأى أحفظ منه وكان الدمياطي يقول إنه ما رأى شيخا أحفظ من زكي الدين عبد العظيم وما رأى الزكي أحفظ من أبي الحسن علي بن المفضل ولا رأى ابن المفضل أحفظ من الحافظ عبد الغني ولا رأى عبد الغني أحفظ من أبي موسى المديني إلا أن يكون الحافظ أبا القاسم ابن عساكر فقد رآه ولم يسمع منه هذا كلام الذهبي

قلت لا ريب أن ابن عساكر أحفظ من ابن المديني والذهبي يعرف هذا ولكن عذره عدم سماع عبد الغني منه كما ذكر فكأنه يسلسل للرؤية مع السماع لا لمجرد الرؤية

ثم قال شيخنا وسمعت منه ولا رأى ابن عساكر والمديني أحفظ من أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي

ولا رأى إسماعيل أحفظ من أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي

ولا رأى ابن طاهر أحفظ من نصر ابن ماكولا

ولا رأى ابن ماكولا أحفظ من أبي بكر الخطيب

ولا رأى الخطيب أحفظ من أبي نعيم

وأبو نعيم ما رأى أحفظ من الدارقطني وأبي عبد الله بن منده ومعهما الحاكم

وكان ابن منده يقول ما رأيت أحفظ من أبي إسحاق بن حمزة الأصبهاني

وقال ابن حمزة ما رأيت أحفظ من أبي جعفر أحمد بن يحيى بن زهير التستري وقال ما رأيت أحفظ من أبي زرعة الرازي

وأما الدارقطني فما رأى مثل نفسه

وأما الحاكم فما رأى مثل الدارقطني بل وكان يقول الحاكم ما رأيت أحفظ من أبي علي النيسابوري ومن أبي بكر ابن الجعابي

وما رأى الثلاثة أحفظ من أبي العباس ابن عقدة

ولا رأى أبو علي النيسابوري مثل النسائي

ولا رأى النسائي مثل إسحاق بن راهويه

ولا رأى أبو زرعة أحفظ من أبي بكر ابن أبي شيبة

ولا رأى أبو علي النيسابوري مثل ابن خزيمة

ولا رأى ابن خزيمة مثل أبي عبد الله البخاري

ولا رأى البخاري فيما ذكر مثل علي بن المديني

ولا رأى أيضا أبو زرعة والبخاري وأبو حاتم وأبو داود مثل أحمد بن حنبل ولا مثل يحيى بن معين وابن راهويه

ولا رأى أحمد ورفاقه مثل يحيى بن سعيد القطان

ولا رأى هو مثل سفيان ومالك وشعبة

ولا رأوا مثل أيوب السختياني

نعم ولا رأى مالك مثل الزهري

ولا رأى الزهري مثل ابن المسيب

ولا رأى ابن المسيب أحفظ من أبي هريرة رضي الله عنه

ولا رأى أيوب مثل ابن سيرين

ولا رأى مثل أبي هريرة

نعم ولا رأى الثوري مثل منصور

ولا رأى منصور مثل إبراهيم

ولا رأى إبراهيم مثل علقمة

ولا رأى علقمة كابن مسعود فيما زعم

قلت هذه السلسلة التي كان شيخنا الذهبي يذكرها ولولا كراهتي للكلام في التفضيل لا سيما فيمن لم نلقهم لكنت أتكلم عليها

وأقول على نمطها ما رأت عيناي أعلم بالتفسير من الشيخ الوالد ولا رأى هو فيما ذكر عنه كشيخه العراقي ونقطع الكلام من هنا ولو شئنا لوصلناه إلى ابن عباس رضي الله عنهما ولكن الكلام في التفضيل صعب

وأقول ما رأت عيناي أعرف بالقراءات منه لأني وإن أدركت الشيخ ابن بصخان فلم آخذ عنه

وكان الشيخ الوالد يقول ما رأيت فيها كابن الصائغ

وأقول ما رأت عيناي أفقه من الشيخ الوالد ولا رأى هو أفقه من ابن الرفعة ولا رأى ابن الرفعة فيما ذكر أفقه من الظهير التزمنتي

وأقول ما رأيت بعد أبي حيان أنحى منه وكان يفوقه في حسن التصرف فيه وتصانيفهما تنبيك عن ذلك وكان هو يقول لم نلق في صناعة اللسان كأبي حيان

ولا رأت عيناي في المعقولات بأسرها وفي علم الكلام على طريق المتكلمين مثله وكان يقول إنه لم يلق فها كالباجي ولم يلق الباجي كالشيخ الخسروشاهي ولم يلق الخسروشاهي كالإمام فخر الدين الرازي

ولنتبرك عند ختم هذه السلاسل بذكر حديث مسلسل بالفقهاء

فنقول أخبرنا إمام الفقهاء والمحدثين الوالد رحمه الله بقراءتي عليه أخبرنا الفقيه الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف في كتابه

ح

وحدثنا الفقيه الحافظ أبو سعيد بن خليل بن كيكلدي من لفظه بالمسجد الأقصى أخبرنا محمد بن يوسف بن المهتار الفقيه بقراءتي قالا أخبرنا الفقيه الحافظ أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح قال أبو محمد كتابة وقال ابن المهتار سماعا قال أخبرنا الفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه أبو بكر القاسم بن عبد الله ابن عمر النيسابوري بها قراءة مني عليه أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفقيه ابن الفقيه ابن الفقيه حدثنا جدي أبو عبد الرحمن الشحامي وأبو علي الجاجرمي الفقيهان في فنهما قالا حدثنا الإمام أبو منصور البغدادي الفقيه حدثنا أبو زكريا يحيى بن أحمد السكري الفقيه والقاضي أبو زيد عبد الرحمن ابن محمد الختني الفقيه والإمام أبو طاهر محمد بن محمد الزيادي الفقيه قالوا حدثنا أبو الوليد حسان بن محمد القرشي الفقيه حدثنا القاضي أبو العباس أحمد ابن عمر بن سريج الفقيه قال حدثنا أبو داود السجستاني الفقيه الحافظ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري الفقيه حدثنا زيد بن الحباب البارع في الفقه والحديث عن محمد بن مسلم الطائفي أفقه أقرانه عن عمرو بن دينار فقيه آل الزبير عن عكرمة فقيه مكة عن ابن عباس الذي دعا له النبي فقال ‏(‏ اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ‏)‏ قال قتل رجل من بني عدي فجعل النبي ديته اثنى عشر ألفا

ذكر شيء مما انتحله مذهبا وارتضاه رأيا لنفسه

وذلك على قسمين أحدهما ما هو معترف بأنه خارج عن مذهب الشافعي رضي الله عنه وإن كان ربما وافق قولا ضعيفا في مذهبه أو وجها شاذا

فمنه اختياره أن الغسالة طاهرة مطلقا طهر المحل أو لم يطهر

وفي مذهبنا ثلاثة أقوال الجديد أنه إن انفصل وقد طهر المحل فهو طاهر وإن انفصل ولم يطهر المحل فهو نجس

والثاني نجس بكل حال

والثالث وهو القديم طاهر طهور بكل حال

ومن نظر شرح المنهاج يحسب أن الشيخ الإمام رحمه الله يختار القديم وليس كذلك لأنه يقول الغسالة طاهرة وهنا يوافق القديم ولكن غير طهور وهذا يفارق القديم صرح بذلك في كتاب الرقم الإبريزي في شرح مختصر التبريزي قال ولم أر من قال به في المذهب وهو الذي اختاره وليس من القديم ولا الجديد

قلت أحسبه وجها شاذا

وأنه إن شهد طبيب واحد أن المشمس يورث البرص كره استعماله أو حرم

وأن الشعر يطهر بالدباغ وصححه ابن أبي عصرون وهاتان المسألتان أجدر أن تعدا من ترجيحات المذهب لا من اختياراته لنفسه

وأن ما لا دم له سائل إن كان مما يعم كالذباب فلا ينجس المائع وإلا فينجس كالعقارب وهو رأى صاحب التقريب

وأنه إذا تخلل النبيذ المتخذ من التمر والزبيب بعد أن كان خمرا بنفسه يطهر قال ولم أجد من صرح به قال والمنقول عن أصحابنا أنه لا يطهر نقله القاضي أبو الطيب وغيره

وأن شارب الخمر ينجس باطنه ثم لا يمكن تطهيره أبدا

وأن من كان في المسجد فأدركته فريضة لم يحل له الخروج بغير ضرورة حاقة حتى يؤديها فيه

وأن من أدرك الإمام وهو راكع لا يكون مدركا للركعة وهو رأى ابن خزيمة والصبغي

وأن المرور إلى المسجد مثلا من باب فتح في الجدار حيث لا يجوز فتحه لا يحل

وأنه يصح اقتداء المخالف بمخالفه كشافعي بحنفي ما لم يعلم أنه ترك واجبا إما في اعتقاد الإمام أو اعتقاد المأموم فيبطل مثلا فيما إذا اقتدى بحنفي افتصد أو مس ذكره

ويجوز أن يكون هذا هو قول الأستاذ أبي إسحاق في المسألة إلا أن الأستاذ أطلق منع الاقتداء إطلاقا فإن كان هذا هو قول الأستاذ لم تكن مقالة الشيخ الإمام خارجة عن المذهب من كل وجه بل ونفقة لوجه فيه

وأن الأقرأ لا يقدم على الأسن الأورع إذا كان حافظا لبعض القرآن مساويا للأقرإ في الفقه

وأن السعي إلى الجمعة تجب المبادرة إليه حتى لو كانت داره قريب من المسجد وهو يعلم أنه إذا سعى في أثناء الخطبة أو في الركعة الأولى أدرك لا يجوز له التأخر بل حتم واجب عليه المبادرة بالسعي أول النداء وهذا لم يفصح به أصحابنا ولا تأباه أصولهم وإنما الشيخ الإمام استخرجه استنباطا

وأن المسافر إذا نوى إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج لا يتعلق ترخصه بهذه النية بل بعدد الصلوات كما هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل فيتعلق بإحدى وعشرين صلاة مكتوبة وإذا نوى إقامة أكثر من ذلك أثم

وأن تارك الصلاة يقتل في آخر الوقت ولا يشترط إخراجه إياها عن الوقت وهذا رأي ابن سريج كما حكاه عنه الشيخ أبو إسحاق في النكت

وأنه لا تضرب عنقه ولا ينخس بحديدة وإنما يضرب بالعصي إلى أن يصلي أو يموت وهو اختيار ابن سريج في كيفية قتله

وأن الوارث يصلي عن الميت كما يصوم على القديم المختار وهو رأى ابن أبي عصرون

وأن الانتظار في القراءة في الصلاة للحاق آخرين إذا كان في مسجد جرت العادة بإتيان الناس إليه فوجا فوجا لا يكره ما لم يبالغ فيشوش على الحاضرين

وأن الكلام الكثير في الصلاة إذا كان نسيانا لا يضر ولا يبطلها كما قال رأي المتولي

وأنه يزاد ركوع لتمادي الكسوف كما هو رأي ابن خزيمة

وأنه لو قيل بوجوب إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة صلاة العيد لم يبعد

وأنه يجوز صرف زكاة الفطر إلى ثلاثة أيام من الفقراء والمساكين وهو رأي الإصطخري وعن صاحب التنبيه أنه يجوز إلى النفس الواحدة وتوقف فيه الوالد رحمه الله

وأن قول ابن بنت الشافعي وابن خزيمة وابن المنذر أن المبيت بمزدلفة ركن لا يصح الحج إلا به قوي

وأنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد زوال وهو قول الغزالي

قال الشيخ الإمام وأما رمي يوم النحر قبل الزوال وبعده فإنه جائز خلافا للغزالي

وأنه لا يجوز تجاوز الشبع في الأكل والري في الشرب وإن لم يضر إذا لم يكن فيه نفع معتبر

وأنه لا يجوز للجندي ذبح فرسه الصالحة للجهاد إلا بإذن الإمام وتردد في جواز ذبح الفرس الصالحة للكر والفر مطلقا أذن الإمام أم لم يأذن كانت لجندي أم لم تكن ومال إلى المنع

وأن التفريق بين المحارم كالتفريق بين والدة وولدها وهو قول في المذهب قال والظاهر اختصاص ذلك بمن كان ذا رحم محرم ليخرج بنو العم

وأنه يجوز الانتفاع بالمبيع في مدة المسير لرده وإذا اطلع على عيبه بشرط وقوع الانتفاع في المدة التي يغتفر التأخير فيها من السير

وأنه إذا قال اشترته بمائة ثم قال بل بمائة وعشرة وكذبه المشتري ولم يبين لغلطه وجها محتملا ولكن أقام بينة بذلك فإنها تقبل وإن كان بإقراره السابق مكذبا لها وهو رأي ابن المغلس من الظاهرية ولكن ابن المغلس علل رأيه بجواز كونه غافلا أو ناسيا والوالد يختار قبول البينة وإن قال كنت قد تعمدت فمذهبه أعم وأشد من مذهب ابن المغلس

وأنه يجوز بيع نصف معين من ثوب نفيس وإناء وسيف ونحوه مما تنقص قيمته بقطعة وهو قول صاحب التقريب والقاضي أبي الطيب والماوردي وابن الصباغ لكن نص الشافعي والجمهور على خلافه

وأن إثبات الربا في الستة المنصوص عليها الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح تعبد ويقول مع ذلك يثبت الربا في كل مطعوم لكن لا بالقياس بل لعموم قوله ‏(‏ الطعام بالطعام ‏)‏ وسبقه إلى هذا المذهب إمام الحرمين

وأن بيع النقد الثابت في الذمة بنقد ثابت في الذمة لا يظهر دليل منعه وجنح إلى جوازه كما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأما الشافعي والأصحاب فمتفقون على المنع واستدلوا بحديث ‏(‏ نهى عن بيع الكاليء بالكاليء ‏)‏

ونقل أحمد بن حنبل الإجماع على أن لا يباع دين بدين

قال الشيخ الإمام وجوابه أن ذلك فيما يصير دينا كما لو تصارفا على موصوفين ولم يتقابضا أما دينان ثابتان يقصد طرحهما فلا

وأن من أتلف على شخص حجة وثيقة تتضمن دينا له على إنسان ولزم من إتلافها ضياع ذلك الدين لزمه الدين

وأن القراض على الدراهم المغشوشة جائز

وأن المخابرة والمزارعة جائزتان

وأن المساقاة غير لازمة

وأن التوقيت غير شرط فيها

وأن المساقاة على جميع الأشجار المثمرة المحتاجة إلى عمر جائزة ولا يجوز على ما لا يحتاج منها إلى عمل فتوسط بين الجديد الذي خصها بالعنب والنخل والقديم الذي جوزها على كل الأشجار

وأن الوقف على سبيل البر مصرفه ذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلون والرقاب وأهل ود أبي الواقف وأمه

قال ولم أر أحدا قاله قال ولا يبعد أن يضاف إليهم الأسير وفي آخر كلامه في شرح المنهاج ما يشير إلى تنزيل كلام الأصحاب عليه بعد أن صرح بخلافهم وخلاف غيرهم فيه

وأن الوفاء بالوعد واجب

وأنه يكفي إشهاد الوصي على كتابة نفسه مبهما من غير أن يطلع الشاهدان على تفصيل ما كتبه فإذا شهدا عليه أن هذا خطي أو أن هذه وصيتي ولم يعلما ما فيها كفى وهو قول محمد بن نصر المروزي

وأنه إذا أوصى للعلماء دخل فيهم القراء قال وليس هو مذهب الشافي وإن حاول ابن الرفعة جعله مذهبه

وأن من فقأ العينين أو قطع اليدين والرجلين لا يستحق السلب بل إنما يستحق بالقتل وفاء بقول ‏(‏ من قتل قتيلا ‏)‏

وأن من مات وعليه دين وكان قد استحق في بيت المال بصفة من الصفات مقداره وجب على الإمام أداؤه عنه وإن كان الميت المديون غنيا

وأن الغلول لا يمنع شهادة من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا بل يكون معصية يؤاخذ بها مع كونه شهيدا

وأن القاضي الحنفي إذا قضى بصحة النكاح بلا ولي ينقض قضاؤه وهو رأي الإصطخري

قال الشيخ الإمام أنا أستحيي من الله أن يرفع لي نكاح صح عن رسول الله أنه باطل فأستمر به على الصحة لرأي حاكم من الناس

وأن علة الإجبار في النكاح البكارة مع الصغر جميعا وهو خلاف مذهب الشافعي وأبي حنيفة جميعا

وأن الإمام الفاسق لا يزوج الأيامى ولا يقضي ولكن يولي من يفعل ذلك وهو رأي القاضي الحسين

وأنه لو قال لجاريته التي لا يأمن وفاءها بالنكاح إذا أعتقها ولم ترد العتق إن لم تنكحه وإن كان في علم الله أني أنكحك أو تنكحيني بعد عتقك فأنت حرة فرغبت وجرى النكاح بينهما عتقت وحصل الغرض وإلا استمر الرق وهو رأي ابن خيران وقاله أيضا صاحب التقريب وعبارته أن الطريق أن يقول إن يسر الله بيننا نكاحا فأنت حرة قبله بيوم وما إليه الغزالي وأما الأصحاب سواهم فمطبقون على أنه لا يصح النكاح ولا يحصل العتق

وأن الخلع ليس شيء

وأنه تجب المتعة لكل مطلقة وهو مذهب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والجديد وجوبها إلا لمن لم توطأ والقديم عدم وجوبها إلا لمن لا مهر لها ولا دخول فخالف الشيخ الإمام القديم والجديد معا ووافق عليا رضي الله عنه

وأن قاتل من لا وارث له للإمام العفو عنه مجانا إذا رأى ذلك مصلحة والأصحاب جزموا بأنه ليس له ذلك بل إما أن يعفو على الدية أو يقتص

وأنه لا صغيرة في الذنوب بل الكل كبائر ولكن بعضها أكبر من بعض وهو رأي الأستاذ أبي إسحاق ونسبه الشيخ الإمام إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري

وأن ساب سيدنا ومولانا محمد المصطفى إذا كان مشهورا قبل صدور السب منه بفساد العقيدة وتوفرت القرائن على أنه سب قاصدا للتنقيص يقتل ولا تقبل له توبة وكتب على فتيا وردت عليه في ذلك

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ** حتى يراق على جوانبه الدم

فهذه نبذة من مقالاته لنفسه

القسم الثاني ما صححه من حيث المذهب

وإن كان الرافعي والنووي رجحا خلافه أو كان النووي وحده رجح خلافه فنحن نذكر في هذا القسم ما كان من هذا النمط ولا نذكر شيئا وافق فيه النووي وإن خالف الرافعي لظهور ذلك ولأن العمل على قول النووي فيه لا سيما إذا اعتضد بتصحيح الشيخ الإمام

وأما ما عقدنا له بهذا الفصل مما خالف فيه الشيخين جمعيا أو النووي وحده فلا يخفى أنه ينبغي تلقيه بكلتا اليدين فإني لا أشك في أنه لا يجوز لأحد من نقلة زماننا مخالفته لأنه إمام مطلع على مآخذ الرافعي والنووي ونصوص الشافعي وكلام الأصحاب وكانت له القدرة التامة على الترجيح فمن لم ينته إلى رتبته وحسبه من الفتيا النقل المخض حق عليه أن يتقيد بما قاله وأما من هو من أهل النظر والترجيح فذاك محال عن نظره لا على فتيا الرافعي والنووي والشيخ الإمام

فمن ذل رجح أنه إن شهد طبيبان أن الماء المشمس يورث البرص كره وإلا فلا

وتقدم اختياره من حيث الدليل الاكتفاء بطبيب واحد

وأن المني ينقض الوضوء وفاقا للقاضي أبي الطيب في أحد قوله وللرافعي في كتابه الكبير المسمى بالمحمود ولابن الرفعة

وأن فضلات النبي طاهرة وهو رأي أبي جعفر الترمذي

وأن المموه بذهب أو بفضة حرام وإن لم يحصل منه شيء بالعرض على النار قال والتمويه بما لا يحصل منه شيء بالعرض أصعب من التمويه بما يحصل منه

وأن تحلية الكعبة وسائر المساجد بالذهب والفضة حلال قال والمنع منه في الكعبة شاذ غريب في المذاهب كلها

وأن المحدث حدثا أصغر إذا انغمس في الماء ناويا رفع الجنابة عامدا ولم يكن تقدير ترتيب فيه لم يصح وضوءه لأنه متلاعب والرافعي والنووي صححا الصحة والحالة هذه

وأن من تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما يلزمه الوضوء بكل حال وهذا صححه النووي مرة

وأن الغسالة إذا انفصلت وقد زاد وزنها عند الانفصال على ما كان فليست نجسة بمثابة ما تغير خلافا للرافعي بل هو كما لو لم يزد وزنها

وأن ماسح الجبيرة إذا تيمم لفرض ثان ولم يحدث فإن كان جنبا لم يعد الغسل وإن كان محدثا أعاد ما بعد عليله خلافا للنووي ووفاقا للرافعي

وأن العاصي بسفره لا يتيمم لأن سفر المعصية لا يتعلق به رخصة فعليه أن يعود ولا سيما إذا أمكنه الرجوع والصلاة بالماء قبل خروج الوقت

وأن تارك الصلاة إنما يقتل إذا ضاق وقت الثانية كما هو قول أبي إسحاق وقد قدمنا اختياره من حيث الدليل في تارك الصلاة

وأن الإبراد بالظهر لا يختص بالبلد الحار بل شدة الحر كافية ولو في أبرد البلاد

وأن الحائض والجنب لا يجيبان المؤذن إذا سمعاه على خلاف ما جزم به الرافعي والنووي

وأن وقت الأذان الأول للصبح قبل طلوع الفجر قال وهو وقت السحر ورجحه القاضي الحسين والمتولي والبغوي وصحح النووي أنه من نصف الليل والرافعي أنه في الشتاء من سبعه الأخير وفي الصيف من نصف سبعه

وأن العبد الفقيه في إمامة الصلاة أولى من غير الفقيه وإن كان حرا

وأن تأخير العشاء ما لم يخرج وقت الاختيار أفضل من تقديمها وهو الجديد

وأنه لا يجوز جمعتان في بلد وإن عظم وعسر اجتماع أهله في جامع واحد

وأن وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس كما في التنبيه لا من طلوعها

وأن العبرة في الاقتداء باعتقاد الإمام وهو رأي القفال فلو اقتدى شافعي بحنفي مس فرجه أو افتصد صح في المس دون الفصد خلافا للرافعي والنووي حيث عكسا هذا اختياره مذهبا وتقدم اختياره دليلا

وأن من سها في صلاته وسلم قبل أن يسجد للسهو ساهيا ولم يطل الفصل لا يصير عائدا إلى الصلاة إذا سجد دون ما إذا لم يسجد كما ذهب إليه الرافعي والنووي وكثيرون بل إما أن لا يصير عائدا كقول صاحب التهذيب وإما أن يسلم مرة أخرى ولا يعتد بذلك السلام كما هو وجه في النهاية ولم يرجح واحدا من هذين الوجهين بل تردد بينهما

وأن من أوتر بأكثر من ركعة ينوي قيام الليل إلا في الذي يقع به الإيتار في الآخر فينوي به الوتر والأصح عند النووي أنه ينوي لكل شفع ركعتين في الوتر

وأن التنحنح في الصلاة لا يبطلها وإن بان منه حرفان وهو ما عزاه ابن أبي هريرة إلى النص

وأن من لا يحسن الفاتحة يأتي بالذكر ولا يقوم الدعاء مقامه

وأن الجماعة فرض كفاية على المقيمين والمسافرين خلافا للرافعي حيث قال سنة مطلقا وللنووي حيث قال فرض كفاية على غير المسافرين

وفي كلام الوالد ما يؤخذ منه ميله إلى أنها فرض عين

وأن من شرع في الصلاة إلى القبلة بالاجتهاد وتغير اجتهاده في القبلة في أثناء الصلاة يستأنف خلافا لهما حيث قالا ينحرف إلى الجهة الثانية

وأن وقت الضحى من ارتفاع الشمس لا من طلوعها وفاقا للرافعي وخلافا للنووي في اختياره أنه من طلوعها ونقله إياه أيضا عن الأصحاب وقال الرافعي في العيد نظيره

وأن من أحرم بأكثر من ركعة لا يزيد على تشهدين

وأن الإمام إذا أحس بداخل وهو راكع لا يستحب له انتظاره بل يكره

وأن تصحيح الأصحاب قول أبي إسحاق أن المقيم غير المستوطن لا تنعقد به الجمعة لم يتضح عليه دليل ومال إلى قول ابن أبي هريرة أنها تنعقد به

وأن الوجه تخصيص الخلاف في أن الكلام وقت الخطبة هل يحرم لمن عدا الأربعين أما الأربعون فيحرم عليهم الكلام ويجب السماع جزما وهذه طريق الغزالي واستبعدها الرافعي وتبعه النووي

وأن مقدار ما يحل التطريز أو التطريف به من الحرير أربع أصابع وهو رأي النووي في التطريز وقال في متن الروضة يرجع في التطريف إلى العادة

وقال الرافعي في المحرر يرجع إلى العادة فيهما جميعا

قال الوالد رحمه الله الصحيح الضبط بأربع أصابع فيهما جميعا

وأن الإعلام بموت الميت بمجرد الصلاة من غير ذكر شيء من المناقب حسن مستحب وما عداه مكروه قال وقد ينتهي إلى التحريم

وأن من عجل الزكاة إذا ثبت إلى آخر الحول والمعجل تالف يجب ضمانه بالمثل مثليا كان أو متقوما وهو وجه وجزم الرافعي أن المتقوم يضمن بالقيمة

وأنه إذا باع في أثناء الحول نقدا بنقد أو سائمة بسائمة بقصد التجارة لم ينقطع الحول وتجب الزكاة وهي طريقة الإصطخري التي نسب أبا العباس ابن سريج في مخالفتها في النقد إلى خرق الإجماع والرافعي والنووي تبعا طريق ابن سريج فصححا انقطاع الحول

وأنه إذا اشترى عرضا يساوي مائة وعجل زكاة مائتين وحال الحول وهو يساوي مائتين لا يجزيه

وأنه إذا تعذر إيجاب زكاة العين فيما إذا اجتمعت مع التجارة لنقصان الماشية المشتراة للتجارة عن قدر النصاب ثم بلغت بالنتاج في أثناء الحول نصابا ولم تبلغ بالقيمة نصابا في آخر الحول فتنتقل إلى زكاة العين خلافا للنووي حيث صحح أنه لا زكاة ولا تصحيح للرافعي في المسألة

وأنه يلزم الابن فطرة زوجة أبيه الذي تجب نفقته وهو ما صححه الغزالي

وأن من أخفى الزكاة عن الإمام الجائر ولم يدفعها إلى المستحقين يعزر ولا يكون جور الإمام عذرا في عدم تعزيره

وإن دفها إلى الأصناف في موضع يأمن الفتنة ولم يطلب الإمام ولا أوجبنا الدفع إليه لم يعزر من منعها بعد الطلب حيث لا فتنة

وإن لم يكن عذر عزر وإن كان بأن ادعى الجهل بذلك وكان محتملا في حقه لم يعزر فإن اتهم حلف وإن كان لا يخفى عليه ذلك لمخالطته العلماء لم يقبل ويعزر

والشافعي والأصحاب أطلقوا أن الإمام إذا كان جائرا يأخذ فوق الواجب أو يضع الصدقة في غير موضعها لم يعزر من أخفاها عنه

أن قبلة الصائم إن حصل بها مجرد التلذذ لم تحرم ولا تكره أو ظن الإنزال حرمت أو خوفه كرهت

وأن صوم يوم وفطر يوم أفضل من صوم الدهر وإن فرعنا على أنه مستحب

وأن صوم الدهر مكروه مطلقا

وأن ليلة القدر تطلب في جميع رمضان ولا تختص بالعشر الأخير بل كل الشهر محتمل لها وهو ما قاله صاحب التنبيه وسبقه المحاملي في التجريد وأنكره الرافعي

وأنه إذا نذر اعتكاف مدة ونوى بقلبه تتابعها لزمه خلافا للرافعي والنووي حيث قال الأصح لا يلزمه إلا إذا تلفظ

وأن المغصوب إذا كان قادرا على الاستئجار على الحج وامتنع من الاستئجار استأجر عنه الحاكم وكذلك إذا بذل الطاعة فلم يقبل المطاع ينوب عنه الحاكم

وأن الرمل يختص بطواف القدوم

وأن طواف الوداع نسك

وأن على من سافر من مكة ولو سفرا قصيرا الوداع كما قال النووي قال الشيخ الإمام إلا أن يكون لغير منزله على نية العود فلا وداع فإذا الوداع عنده مختص بسفر طويل أو قصير على نية الإقامة وعند النووي وغيره من الأصحاب مطلق السفر وعند صاحب التهذيب وغير السفر الطويل فالوالد متوسط

وأنه يسمن للرامي يوم النحر قبل أن ينزل أن يستقبل الجمرة والكعبة والذي جزم به الرافعي وآخرون أنه يستقبل الجمرة ويستدبر الكعبة

وأنه يجوز في اليوم الثاني الرمي قبل الزوال وفي الليل سواء قلنا قضاء أم أداء

وأن ما ورد من ذكر خاص أو دعاء خاص في الطواف أفضل من القراءة وأما ما ورد من دعاء أو ذكر لا يختص بالطواف فالقراءة أفضل منه خلافا للرافعي والنووي حيث فضلا مأثور الدعاء على القراءة مطلقا

وأن الزرافة يحل أكلها وإن ادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على التحريم وتوقف الوالد نفي تحريم الببغاء والطاوس

وأن التفرقة بين والدة وولدها بالرد بالعيب حرام وأنكر دعوى شيخه ابن الرفعة أن المذهب الجواز

وأن الخمر والخنزير حيث قيل بتقويمهما في تفريق الصفقة فالمعتبر قيمتهما عند أهلهما وهو احتمال للإمام صححه الغزالي ولا تقوم الخمر خلا والخنزير بقرة خلافا للنووي ومن سبقه

وأن قول البائع شريت ليس صريحا كبعتك بل هو كناية خلافا للرافعي حيث تبع في ادعاء صراحتها المتولي

وأن بيع الحديقة المساقى عليها في المدة جائز مطلقا وسنعيد ذلك عند ذكر قسمتها

وأنه لا يجوز بيع الكافر كتابا في علم شرعي وإن خلا عن الآثار تعظيما للعلم

وأن بيع العبد الجاني جناية تعلق برقبته مالا بعد اختيار الفدا وقبل وقوع الفدا باطل والبغوي قال إنه يصح ونقله الرافعي عن إطلاه ساكتا عليه وتبعه النووي

وأنه لو اشترى جارية بكرا مزوجة علم زواجها ورضي به ثم وجد عيبا قديما بعدما أزيلت البكارة لا يرد وفاقا للمتولي وقال ينبغي القطع به

وأن البيع ينفسخ إذا حصل اختلاط الثمرتين ثمرة البائع وثمرة المشتري فيما ينذر الاختلاط فيه في البيع خلافا للرافعي والنووي قال وإن قلنا بثبوت الخيار كما يقولان فهو للبائع لا للمشتري خلافا لهما أيضا حيث صححا ثبوته وقالا أنه للمشتري

وأن خيار التصرية يمتد إلى ثلاثة أيام

وأنه لا يشترط في بيع الحاضر للبادي عموم الحاجة بل يكفي أصلها وهو وجه في المطلب معزو إلى النص

وأنه إذا قال بعته بمائة ثم قال بل بمائة وعشرة في المرابحة وبين للغلط وجها محتملا لا تسمع بينته ولا يحلف هذا من حيث المذهب وأما من حيث الدليل فقد قدمنا مذهبه في هذه المسألة

وأنه إذا واطأ شخصا فباع منه ما اشتراه بعشرة ثم اشتراه منه بعشرين وخبر بالعشرين حرم ذلك وأكثر الأصحاب على أنه مكروه كراهة تنزيه

وأن خل الرطب لا يتأتى إلا بالماء فلا يباع بعضه ببعض وبه صرح الماوردي

وأنا إذا قلنا اللحمان جنس واحد كما هو أحد القولين فاللحم البري مع البحر جنسان قال وبه قال أبو علي الطبري والشيخ أبو حامد الماوردي والمحاملي وقال إنه المنصوص وصاحب المهذب وقال إنه المذهب والروياني وما في متن الروضة من تصحيح أنهما جنس واحد ليس في الرافعي

وأنه إذا باع نصف الثمار على رءوس الشجب مشاعا قبل بدو الصلاح لم يصح وهو قول ابن الحداد

وأنه لا يصح السلم في الشهد وعزاه إلى النص

وأنه لو أسلم إلى أول شهر أو آخره صح وحمل على الجزء الأول من كل نصف وهو قول الإمام والبغوي قال ودعوى الرافعي أن المنقول عن عامة الأصحاب مقابلة ممنوعة

وأنه يجوز السلم في الأرز في قشره الأسفل والأحمر

وأنه يصح أن يستبدل عن المسلم في نوعه دون جنسه خلافا للرافعي والنووي حيث منعا الاستبدال مطلقا

وأن أحد المتصارفين إذا أقرض من الآخر ما قبضه قبل التفرق ورده عليه عما بقي له يصح ومن قال قال لو قبض المسلم إليه رأس المال ورده في المجلس على المسلم بدين كان له عليه يكون أولى بالصحة

والمنقول في الشرح والروضة عن أبي العباس الروياني في هذه المسألة أنه لا يصح وسكتا عليه وفي التي قبلها أن الأصح المنع فخالف الشيخ الإمام في المسألتين

وأن موت الراهن قبل القبض مبطل للرهن

وأنه إذا جنى المرهون ففداه المرتهن وشرط كونه مرهونا بالدين والفاداء فهو على القولين في رهن المرهون عند المرتهن بدين آخر حتى يكون الأصح المنع

والأظهر في الرافعي وهو المذهب في الروضة الصحة وأن هذا يستثنى من محل القولين

وأن المرتهن يخاصم إذا لم يخاصم الراهن

وأنه إذا رهن نصيبه من بيت معين ثم قسمت الدار فوقع البيت في نصيب شريكه بقي مرهونا كما اقتضاه كلام صاحب التهذيب خلافا للإمام والرافعي والنووي حيث رجحوا أن الراهن يغرم القيمة لتكون رهنا بدله وضعف مقالتهم جدا وقال أوجه منها وأرجح أن يجعل ذلك كالآفة السماوية وهو احتمال للإمام وأرجح من الكل ما اخترناه وأشار إليه صاحب المهذب

وأن بعض الغرماء إذا طلب الحجر على المديون حجر وإن لم يقتض دينه الحجر به لو انفرد ذكره في شرح مختصر التبريزي ولم يذكره لا في شرح المهذب ولا في شرح المنهاج وهو الأظهر عند الرافعي وقوي النووي في الروضة خلافه

وأن السرف وهو إنفاق الرجل زائدا على ما يليق بحاله وإن لم يكن في معصية حرام

وأنه إذا بلغ الصبي وادعى على الولي بيع ماله من غير ضرورة ولا غبطة يصدق الولي في غير العقار والصبي في العقار

وأن السفه يسلب الولاية وإن لم يتصل به حجر القاضي وهو وجه صححه ابن الرفعة

وأن مطل الغني كبيرة وإن لم يتكرر خلافا للنووي حيث اشترط التكرر

وأن الحوالة استيفاء وأن معنى الاستيفاء التحويل

وأن الوكيل لا ينعزل بالإغماء

وأنه لو قال اقض الألف التي لي عليك فقال أقضي غدا أو أمهلني يوما أو حتى أقعد أو أفتح الكيس أو أجد

فليس بإقرار بخلاف ما لو قال نعم

وأنه إذا قال علي كذا وكذا درهم لم يلزمه إلا درهم واحد وهو رأي المزني

وأن الأب إذا أقر بعين مال لابنه ثم ادعى عنه عن هبة منه وأراد الرجوع فليس له ذلك وهو رأي أبي عاصم العبادي والقاضي أبي الطيب وخالفهما القاضي الحسين والماوردي

قال الرافعي ويمكن أن يتوسط بين أن يقر بانتقال الملك منه فيرجع وإلا فلا

وأنه لو ضرب ليصدق فأقر مضروبا لم يكن إقرارا مطلقا إلا أن يكون المكره عالما بالصدق والنووي اختار كونه إقرارا مطلقا بعد أن استشكله قال لأنه مكره على الصدق ولا ينحصر الصدق في الإقرار وأنه إذا أعاد الإقرار بعد الضرب وحدث خوف تسبب لم يعمل به

وأنه إذا استعار عينا ليرهنها بدين معلوم فرهن بأكثر منه بطل في الزائد وخرج في المأذون على تفريق الصفقة خلافا للرافعي والنووي حيث صححا البطلان في الكل ونص الشافعي يشهد لهما

وأن المستعير إذا لم يوافق المعير عند اختياره القلع بالأرش يكلف تفريغ الأرض قال ولا يكلف التفريغ عند اختيار الإبقاء بأجرة أو التملك وهو رأي البغوي

وأنه إذا خلط الطعام المغصوب فتعذر التمييز لا يجعل كالهالك خلافا للرافعي والنووي والأكثرين لأن لآحاد الناس انتزاع العين المغصوبة من الغاصب

وأن الشفعة ثابتة للشفيع إلى أن يصرح بالإسقاط وهو الوجه القائل بثبوتها له أبدا والأصح عند الرافعي والنووي أنها على الفور

وأن القراض لا ينفسخ بإتلاف العامل وهو رأي المتولي

وأن العامل إذا قارض بلا إذن فالربح للثاني

وأن ما يأخذه الحمامي ثمن الماء وأجرة الحمام والسطل وحفظ الثياب وفاقا لابن أبي عصرون وخلافا للرافعي والنووي حيث منعا كونه في مقابلة الماء

وأن كسح البئر وتنقية البالوعة على المؤجر

وأن الطعام المحمول ليؤكل إذا كان شرط قدرا يكفيه للطريق كلها لا يبدل ما دام الباقي كافيا لبقية الطريق وإن شرط قدرا يعلم أنه لا يكفيه فيبدل

وأنه لو اكترى اثنان دابة وركباها فاتردفها ثالث بغير إذنهما فتلفت قسط الغرم على الأوزان ولزم الثالث حصة وزنه وهو ما صححه ابن أبي عصرون وصحح النووي أنه يلزمه الثلث وفي وجه يلزمه النصف

وأن المقطع إذا قام من مكانه ونقل عنه قماشه لم يكن لغيره أن يقعد فيه وهو رأي صاحب التنبيه

وأن الوقف على طبقة بعد طبقة أو بطن بعد بطن يقتضي الترتيب ونقله عن جماعات

وأن الوقف على معين لا يحتاج إلى القبول وقد اختاره النووي في كتاب السرقة

قال الوالد هو ظاهر نصوص الشافعي ورأي الشيخ أبي حامد وكثيرين

وأن لفظ الصدقة كناية في الوقف فإذا نواه حصل به سواء أضافه إلى معين أو جهة

وأن الوقف الموقت صحيح مؤبد فيما يضاهي التحرير وهو رأي الإمام

وأن المعتبر في الوقف قصد القربة لا مجرد انتفاء المعصية

وأنه لا يجوز بيع الدار المتهدمة والحصر البالية والجذوع المتكسرة إذا كان وقفا أبدا وذكر أنه لم يقل أحد من الأصحاب ببيع الدار المتهدمة وأن ما في الحاوي الصغير غلط وما أوهمه كلام الرافعي مؤول

وأنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة كالشافعية لا يختص وقال بشرط أن يصرح بلفظ المسجد

وأن الوقف لا يرتد برد الموقوف عليه وإن لم يقبل وفرعه على اختياره أنه لا يشترط قبول الموقوف عليه

وأن المشروط له النظر في وقف كذلك لا يشترط قبوله ولا يرتد برده

وأن الولد إذا وهبه والده حبا فبذره فصار زرعا أو بيضا فأحضنه فصار فرخا لم يمنع ذلك والده من الرجوع في هبته

وأن هبة الدين لغير المديون صحيحة وهو ما صححه النووي في كتاب البيع

وأن تعلق حق غرماء الولد المتهب بماله للحجر عليه لا يمنع رجوع الوالد في الهبة

وأن اللقيط إذا وجد في ثيابه رقعة فيها أن تحته دفينا حكم بدفع المنازع فيه وما يترتب عليه من التصرف ولا يحكم بصحة ملكه له ابتداء وهو توسط بين وجهين للأصحاب إن قيل يرفعه ما اتفقوا عليه فهو من مذاهبه الخارجة عن قواعد المذهب فليلحق بالقسم الأول وإلا فهو من مصححاته على أصل الشافعي

وتوقف فيما إذا أرشدت الرقعة إلى دفين بالبعد عن اللقيط

وأن اللقيط المحكوم بكفره لا ينفق عليه من بيت الماء بل إن تطوع مسلم أو ذمي وإلا قسط على أهل الذمة

وأن الجد إذا أسلم والابن حي لا يستتبع الابن قال ولم يذهب أحد من الأصحاب إلى أن الجد لا يستتبع سواء كان الابن حيا أو ميتا ولو ذهب أحد إلى تصحيحه لكان له وجه قوي هذا كلامه في شرح المنهاج ولا أحفظ عنه الذهاب إلى ما لم يذهب أحد إلى تصحيحه لا مذهبا لنفسه ولا تخريجا على أصل إمامه وبحثت معه غير مرة في المسألة فلم أسمعه يزيد على أنه لو ذهب إليه ذاهب من الأصحاب لكان متجها كان يقول لنا ذلك في مجالس المناظرة ولم يزد في شرح المنهاج عليه فلذلك لم أعز إليه في القسم الأول أنه يذهب إلى عدم الاستتباع

وأن الصبي إذا أسلم وقلنا بمشهور المذهب وهو عدم صحة إسلامه تجب الحيلولة بينه وبين أبويه وأهله الكفار خلافا لهما حيث رجحا أن الحيلولة مستحبة

وأن الأصول والفروع يدخلون في الوصية للأقارب

وأن قول الوصي هو له من مالي صريح في الوصية والذي في الشرح والروضة أنه كناية

وأنه إذا أوصى لشخص بدينار كل سنة صح في السنين كلها وهو ما رجحه الرافعي

وأن المودع وغيره من الأمناء إذا مات ولم نجد الوديعة في تركته ولا أوصى بها فإن وجدنا جنسها ضمن ضمان العقد لا العدوان وإن لم نجد جنسها لم يضمن

وأن صاحب الوديعة في صورة الضمان يتقدم على الغرماء

وأن مجرد التمييز يزول به التقصير

وأن ذكر الجنس كقوله مثلا عندي ثوب وديعة تمييز إذا لم يكن ثم ثوب غيرن

وأنه إذا مات ولم يوجد غيره نزل عليه وإن وجد أثواب أعطي واحدا منها

وأن الوديعة إذا تلفت بعد الموت بلا وصية وقلنا بالضمان كان مستندا إلى ما قبيل الموت لا إلى أول المرض

وأن دعوى الورثة رد مورثهم على المودع أو تلفها قبل نسبته إلى التقصير بغير بينة لا تسمع

وأن من انقطع خبره لا يقسم ماله بين ورثته ولا يحكم القاضي بموته وإن مضت مدة تغلب على الظن موته ما لم تقم بينة بموته وعزاه إلى النص

وأنه إذا حكم بموته لا يعطى ماله من يرثه وقت الحكم ولا قبيل الحكم بل من يرثه في الزمان الذي استند إليه الحكم فإذا حكم سنة خمس بأنه مات سنة أربع ورثه من يرثه سنة أربع لا سنة خمس

قال الشيخ الإمام ولعل هذا مرادهم وإن لم يصرحوا به

وأن المرأة تجاب إذا عينت كفؤا وعين الولي غيره خلافا للرافعي والنووي وقال محل الخلاف في المجبر أما غيره فهو المجابة قولا واحدا

وأن النكاح ينعقد بالمستور كما قاله الرافعي والنووي ولكنه خالفهما في تفسيره فقال المستور من عرفت عدالته باطنا وشك هل هي موجودة حال العقد لا من لا يعرف منه إلا الإسلام فقط وهذا صعب

وأنه لا يحل نظر العبد إلى سيدته

وأنه لا يحل نظر الممسوح إلى الأجنبية

وأنه إذا أوجب النكاح فقال القائل الحمد لله والصلاة على رسول الله قبلت لم يصح للفصل وبه قال الماوردي

وأن قول ابن الحداد في المرأة لها ابنا معتق إن المعتق نفسه لو أراد نكاحها وأحد هذين الابنين منه والآخر من غيره فيزوجها ابنه منها دون ابنة من غيرها محتمل وإن كان معظم الأصحاب غلطوه من جهة أن ابن المعتق لا يزوج في حياة المعتق ولكن إذا خطبها زوجها السلطان

قال الوالد في كتاب الغيث المغدق في ميراث ابن المعتق الولاء بمجرد العتق يثبت لجميع العصبات مع المعتق ويترتب عليه أحكامه لكن يقدم المعتق فإذا كان به مانع لم يمنع غيره

وأطال في ذلك في كتابه المذكور ولخصه في شرح المنهاج

وأن ما حكاه أبو الفرج السرخسي من أن ابن المعتقة يزوج عتيقها محتمل ظاهر وكاد يرجحه في الكتاب المذكور ولكن لم يفصح بالترجيح بل أطال فيما يدل عليه

وأن الإجابة في سائر الولائم واجبة

وأن ظهور النشوز من المرأة مرة لا يبيح الضرب وهو ما ذكر الرافعي في المحرر أنه الأولى

وأن الإعسار بالمهر قبل الدخول لا يثبت خيار الفسخ قال وكذلك الإعسار ببعضه

وأنه إذا قال إن طلقتك أو متى أو إذا فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها وقع الثلاث وكان يذهب أولا إلى أنه لا يقع شيء ثم رجع عنه إلى قول الثلاث

وصورة المسألة عنده أن تقيد القبلية بما قبله بلحظة والرافعي والنووي رجحا وقوع المنجز فقط

وأنه إذا قال إن كان أول ولد تلدينه من هذا الحمل ذكرا فأنت طالق طلقة وإن كان آخر ولد منه جارية فأنت طالق ثلاثا

فولدت ذكرا ولم يكن غيره لا يقع الطلاق وهو وجه ذكر النووي أنه ضعيف شاذ مردود ولم يوافقه الوالد بل نصره وأطنب فيه في تفسير سورة الحشر

وأن ما مثل متى فإذا قال ما لم أطلقك فأنت طالق

يكون كما إذا قال متى لا كما إذا قال إذا لم أطلقك

وأن نفقة القريب لا تستقر في الذمة وإن فرضها القاضي

وأن من ضرب كوع شخص بعصا فتورم ودام الألم حتى مات فاحتمال القصاص فيها قائم ولم يجزم به لأنه نقل عدمه عن النص لكنه مال إليه

وفي كلام الرافعي والنووي في غرز الإبرة ما يشير إليه ولكنهما نقلا عدم الوجوب في أول الجراح عن الغزالي ولم يتعقباه بنكير واستدلا عليه بحديث

وأن الطريقة المفرقة بين الجارح والمثقل في العمد غيره هي الراجحة

وأنه لا يشترط في كون الجرح عمدا أن يعلم حصول الموت منه بل يكفي كون الجرح بصفة السريان

وأن المرتد لو قال عرضت لي شبهة فأزيلوها بعد وجوب قتله ناظرناه وأزحنا شبهته قبل القتل ما لم يظهر منه التسويف والمماطلة والمنقول في الروضة في هذه المسألة عن الغزالي خلاف الموجود في الوجيز المنقول في الشرح

قال الشيخ الإمام في كتاب السيف المسلول ومحل الخلاف إذا لم يظهر التسويف فإن ظهر لم تناظره قطعا

وأنه لا يجوز للولد السفر في تعلم ما هو فرض كفاية ولا في تجارة وإن كان الأمن غالبا إذا منعه أحد الوالدين

وأن طاعة الوالدين في الشبهات واجبة وأن طاعتهما تجب في ترك السنن إن لم يكن ذلك منهما على الدوام وإن كان على الدوام لم تجب طاعتهما

وأن الكنائس لا يعاد منها شيء إذا انهدم وإن قل وذكر أن الأمة أجمعت على أنا لا نأذن في الإعادة وإنما الخلاف في أن هل نمكن وأن الإعادة معناها الإعادة بتلك الآلة نفسها كما هو ظاهر لفظ الإعادة وذكر أن أحدا لم يقل تعاد بآلة أخرى وأن الخلاف في التمكين إذا انهدمت أو انهدم بعضها وبه صرح الشيخ أبو حامد في التعليق وغيره

وأنه إذا غصب فرسا وقاتل عليه لم يكن السهم له بل لصاحب الفرس

وأن الذمي إذا حضر الوقعة بإذن الإمام بلا أجرة لا يرضخ له من الأخماس الأربعة بل من خمس الخمس

وأن الحقيبة المشدودة على الفرس تدخل في السلب هي وما فيها

وأنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة ويدعي أنه بالغ يعطى بغير يمين كما رجح الرافعي والنووي نظيره في مدعي البلوغ بالاحتلام

وأنه إذا قامت عليه البينة بالسرقة فسئل فصدق الشهود ثم رجع سقط عنه القطع قال لأنه لما أقر صار الثبوت بإقراره لا بالبينة ولم يحوج إلى البحث عنها وهو قول أبي إسحاق في نظيره من الزنا

وأن نقل الثبوت في البلد جائز وإن قلنا بما صححه الرافعي والنووي من أنه ليس بحكم

وأن الثبوت حكم إن كان ثبوتا للمسبب دون ما إذا كان ثبوتا للسبب فإذا أثبت أن لزيد على عمرو ألفا كان حكما بها وإن أثبت أن زيدا باع عمرا دارا بألف لم يكن حكما بها

وأن القاضي لا تسمع عليه بينة ولا يطلب بيمين أبدا فيما يتعلق بالقضاء بخلاف ما يتعلق بخاصة نفسه

وأن القاضي المعزول لا يحلف وهو رأي الإصطخري واستحسنه الرافعي في المحرر

وأنه إذا استعدى على حاضر في البلد وقعت الإجارة على عينه وكان حضوره مجلس الحكم يعطل حق المستأجر لم يحضره حتى تنقضي مدة الإجارة

وأن السيد يحلف إذا ادعت أمته الاستيلاد ليمنع من بيعها وتعتق بالموت قال وقول الرافعي والنووي وابن الرفع لا يحلف محمول على ما إذا كانت المنازعة لإثبات النسب

وأنه يصح قسمة الحديقة القابلة لقسمة التعديل المساقى عليها قبل انقضاء مدة المساقاة ويجبر الممتنع ولا يشترط رضا العامل قال ولكن يحذر من الربا بأن تجري القسمة بعد وجود الثمرة ويقع في كل من النصيبين فيصير بيع نخل ورطب بمثله وهو باطل من قاعدة مد عجوة وبناه على أصله أنه لا يصح بيع الأشجار المساقى عليها

والرافعي شبهه ببيع المستأجر ونقل فيه تفصيلا عن صاحب التهذيب استحسنه النووي

وابن الرفعة ألحقه ببيع الثوب عند القصار الأجير على قصارته

والشيخ الإمام خالف كلامهم أجمعين واختار الصحة والقسمة ثم وجد ذلك منصوصا في البويطي

وأن قسمة الرطب والعنب على الشجر ممتنعة ولو قلنا القسمة في ذلك إفراز وهو ما رجحه المحاملي وقال إنه المنصوص والبغوي وغيرهما

وأن الملك لا يقسم على الوقف وإن قلنا القسمة إفراز

وأن الشهادة بالردة لا تقبل مطلقة بل لا بد من التفصيل والبيان

وأن من قال أشهد أني رأيت الهلال تقبل شهادته وإن أخبر عن فعل نفسه

وأنه لا يحل لشافعي لعب الشطرنج مع من يعتقد تحريمه

قلت ولما وقف الشيخ الإمام الأديب الماهر بدر الدين الحسن بن عمر بن الحسن ابن حبيب على هذا الترجمة ورأى هذه الترجيحات انتخب من الترجمة أماكن نمقها وضم إليها نفائس من ألفاظه التي يسامي الرياض رونقها وعرضها علي فوجدتها مشتملة من نظمه ونثره على السحر الحلال ورأيتها أروى لكبد الظامئ من الماء الزلال وقلت له لم لا نظمت هذه الترجيحات في قصيدة تحفظ وخرطت نظام هذه المسائل في سلك يحرس ألفاظه أن تلفظ

فقال على أي زنة تريد وعلى أي قافية يبتغيها المستفيد

فقلت وكان قد اختتم الترجمة التي أنشأها بأبيات جيمية امتدحني فيها دونك قافية الجيم

فما كن بعد ليال إلا وقد وافى بعروس يجتليها ذو اللب ويجتنيها وأنشدني لنفسه ولم يستوعب الأماكن وإنما اقتصر على ما ستراه

الحمد لله الذي برسوله ** خير الورى عنا نفى حرب الحرج

هذا مقال الشيخ فيما اختاره ** رأيا حباه ربنا أعلى الدرج

أعني تقي الدين قوام الدجى ** الحاكم السبكي خواض اللجج

قال الوفا بالوعد أمر واجب ** والخلع لا شيء فحقق ما نهج

والوارث الباقي يصلي مثل ما ** يأتي بصوم فائت عمن درج

في آخر الوقت اجتهد في قتل من ** ترك الصلاة فحظه يحكي البسج

لا تشترط إخراج تاركها لها ** عن وقتها اسلك من السبل الثبج

يا مدركا خلف الإمام ركوعه ** هي ركعة ما أدركت فدع اللهج

أما الكسوف إذا تمادى وقته ** فزد الركوع له ولا تخش الحرج

ما لا دم يجري له ما ماع لم ** ينجس به إن عم وافاك الأرج

نحو الذباب نعم وإلا فهو ينجس ** كالعقارب إن لم يكن فيه ولج

وكذا الغسالة طهرها حق وإن ** فقد المحل الطهر لقنت الحجج

بين المحارم لا تفرق إنه ** كالأم والولد الذي عنها نتج

خذ علة الإجبار فهي بكارة ** يا صحا مع صغر تراه بها امتزج

لا يذبح الجندي طرفا للوغى ** إلا بمرسوم الإمام إذا خرج

وكذاك لا يقضي إمام فاسق ** وزواج الأيم لا يلي ذات البلج

لكن يولي من يقوم بفعله ** أحسن بمؤتم على هذا نسج

يا من يخابر أو يزارع جائز ** هذا وأفلح من بذا القول ابتهج

ليست بلازمة مساقاة ولا ** توقيتها شرط فعج نحو النهج

إن القراض على الدراهم جائز ** مغشوشة وبها لعامله فرج

كل الذنوب كبائر بتفاوت ** من غير ما صغر فلا تنس الحرج

من سب خير الرسل فاقتله ولا ** تقبل متابا منه صار بل العوج

فصل وخذ ما سار من تصحيحه ** في المذهب المذهب مغرى بالدلج

قال المني إذا تدفق ناقض ** ياذا النهى لوضوء من منه خرج

جنب ومن حاضت جواب مؤذن ** لا يذكرا عند السماع إذا نأج

وقت لثانية إذا ضاق اضربن ** بالسيف من ترك الصلاة على الودج

إبراد ظهر لا يرى تخصيصه ** بالبلدة التي يلازمها الأمج

بل شدة الحر ولو في أبرد البلدان ** يكفي من أقام ومن سهج

وأذان صبح أول حرره فهو ** قبيل أن يفتر فجر للأبج

وصلاة عيد وقتها لا من طلوع ** الشمس بل من رفعها نحو الدرج

وبلذة تقبيل من قد صام لم ** يحرم ولم يكره وذا قول رعج

إن ظن إنزالا فحرم فعله ** أو خافه كره إلى نقص حنج

وصيام داود ففضله على ** إمساك دهر كم أنال وكم خلج

وكذاك صوم الدهر مكروه على الإطلاق ** أطلقك الزمان من الهرج

في كل شهر الصوم تطلب ليلة القدر ** التي في طيها تقضى الحوج

طوف القدوم بأشرف البلدان مخصوص ** به الرمل العري من الخمج

إن الوداع طوافه نسك فودع ** طائفا يا من لبيت الله حج

يا من يفارق مكة ودع ولو ** سفرا قصيرا كان ودعك الهوج

سرفا يحرمه وإن هو لم يكن ** يا صاح في العصيان يأتيك الجرح

ويحل أكل زرافة وإن ادعى ** تحريمها من كان من أهل الحجج

وتوقف الأستاذ في تحريم طاووس ** كذا في الببغا فاقف النهج

ما بين والدة ونجل فرقة ** بالرد من عيب حرام كالشنج

والشهد ليس يصح فيه عنده ** ياذا الحجى سلم سلمت من الوهج

في أول للشهر أو في آخر ** أسلم صحيح ذا فمن يسلم فلج

والحمل في هذا لجزء أول ** من كل نصف حبذا قول بهج

في أرزهم في قشرة السفلى أسلم ** جائز هذا كوردك من فلج

ثبتت لرب الشفع شفعته إلى ** إسقاطه فأصخ لقول ذي نعج

ووفاة رب الرهن تبطل رهنه ** من قبل قيض فاستمع ودع الهرج

وخيار تصرية يمد إلى مضي ** ثلاثة أيام شهر من حجج

سير الأقارب لا يقر بذمة ** كلا ولو بالفرض من قاض عرج

ولمؤجر كسح لبئر ما نقا ** بالوعة هو لازم وإن زعج

ولئن وهبت الدين يا رب التقى ** غير المدين يصح فاتبع من عمج

سفه المولى للولاية سالب ** من غير حجر الحاكم العالي الدرج

لا ينظرن عبد إلى مولاته ** حرم عليه ذا كمن غصب الجرح

كلا ولا الممسوح ينظر طرفه ** للأجنبية إن تربص أو درج

إن عينت كفؤا وعين غيره ** أعني الولي تجاب صاحبه البرج

وكذاك ينعقد النكاح نعم بمستور ** فدع من قال لا ثم انحضج

والعسر قبل دخوله بالمهر لم ** يثبت خيار الفسخ عن ذات الزجج

قال الإمام وهكذا إعساره ** بالبعض فافهم واطرح قول الهمج

إن النشوز من القرينة مرة ** للضرب ليس يبيح هاجرك الزمج

تجب الإجابة في الولائم كلها ** حتما على ذي فاقة ومن ارتعج

إن الكنائس لا يعاد مهدم ** منها وإن هو قل قارنك الفرج

نقل الثبوت يجوز في البلد الذي ** فيه القضاة المنقذون من الزلج

البينات أصبت لم تسمع على القاضي ** وذا قول به الحق اندمج

كلا ولم تطلب يمين منه في ** علق القضا دع من لهذا قد ذعج

وإذا وكيل موكل أغمى عليه ** ليس يعزل فاكتبن ذا في الدرج

إن الوصية للأقارب داخل ** فيها الأصول مع الفروع ولا حرج

دار وخشب هدمت وتكسرت ** والحصر إن بليت وقارنها السحج

لا جائز إن كان وقفا بيعه ** يا حبذا علم كذا العلم اختلج

إن خص واقف مسجد قوما به ** كالشافعية يلغ سدا للرتج

والوقف بطنا بعد بطن يقتضي الترتيب ** أنصف من إلى هذا ثلج

ومعين وقف عليه ليس يحتاج ** القبول فدع مقالة من مشج

إن رد موقوف عليه الوقف لا ** يرتد فاترك ما يقول وإن نأج

وقبول ذي نظر لوقف ليس شرطا ** فاستمع هذا وعد عن الهزج

كلا ولا يرتد إن هو رده ** هذا مقال ما عليه من رهج

وصلاتنا وسلامنا أبدا على ** من للسموات العلى ليلا عرج

وعلى الأكارم آله وصحابه ** طوبى لمن في حبهم بذل المهج